في قرية أرطاس الوادعة جنوب بيت لحم، حيث تتعانق الخضرة مع حجارة التاريخ، تنبعث رائحة الأرض، لا من التراب وحده، بل من قلوبٍ شابة ما زالت تؤمن أن الزراعة مقاومة… وأن العودة إلى الأرض هي أول الطريق.
هنا، في “تعاونية الأرض الزراعية”، قرر مجموعة من الشباب أن يعيدوا الزراعة إلى روح القرية، فبدأوا بمبادرة بعنوان: “تعزيز صمود الشباب المزارعين”.
لم تكن البداية سهلة. الأرض موجودة، لكنها منهكة، مهملة، تحتاج من يعتني بها من جديد. ومن بين الأشتال والبذور، وبدعم من مؤسسة ملتقى الطلبة، بدأت بذور المبادرة تنمو.
يقول فادي سند، أحد أعضاء التعاونية، وهو يمرّر أصابعه على صينية أشتال:
“اشتغلنا على زراعة البذور البلدية، من إنتاج الفلاحين نفسهم… الباذنجان البتيري، الفقوس السحوري، الخيارة اللي طعمها بذكّرنا بأيام زمان. هاي البذور جزء من هويتنا.”
في كل زاوية من مشتل الأرض، هناك قصة. أشتال تنمو بدفء أيادٍ شابة، وبيت بلاستيكي أقيم بجهود تطوعية، ورفوف تُعقّم بعناية لأن “الصدق مع الأرض” يبدأ من التفاصيل الصغيرة.
رمزي أبو صوي، مدير المشتل، يتحدث بابتسامة تعب، ويستذكر كيف بدأ كل شيء:
“من 15 سنة كنا مجموعة شباب بنحب البلد. بدأنا بتطوع بسيط، ومع الوقت فهمنا إنو أرطاس قرية زراعية بحتة، بس كانت عم تنسى حالها. رجّعنا نبض الزراعة، خطوة خطوة.”
لكن الزراعة في أرطاس لم تكن هدفًا محليًا فقط، فالتعاونية بدأت توسّع جهودها نحو قرى ومحافظات أخرى: من الخليل إلى رام الله، لتكون الأشتال رسالة حياة تمتد من الأرض إلى الوطن كله.
رشا القيسي، مسؤولة الجانب الإداري والمالي في المشروع، تتحدث بحماس واضح:
“وجود النساء في الزراعة مش جديد، لكن دورنا اليوم إننا نخلّي هذا الدور مستمر ومعترف فيه. بنشتغل على رفع الوعي الزراعي عند الجيل الجديد، خاصة البنات.”
لم تقتصر المبادرة على الإنتاج فقط، بل أخذت أبعادًا مجتمعية أعمق:
إحياء السياحة الزراعية، تنظيم ورش توعوية، والتعاون مع مؤسسات مجتمعية.
تقول رشا: “الزراعة مش بس مهنة… هي طريقة حياة، وهي اللي ممكن تعيد للمزارع كرامته وصموده.”
القرية التي كانت معروفة بخضارها، تعود اليوم لتصبح مقصداً لمن يبحث عن الأكل النظيف، وعن الذكريات، وعن الأمل.
وفي مبادرة مشتركة مع مؤسسة ملتقى الطلبة، تسعى التعاونية اليوم لدعم المزارعين في المناطق المهددة والمصادرة، لأن الأرض لا تُحمى إلا بمن يبقى فيها.
“الأرض بتعرف أصحابها”…
“وهؤلاء الشباب، كلما زرعوا شتلة، ازدادوا جذورًا في الأرض، وإيمانًا بأن المستقبل يُزرع بأيدينا.”
تم انتاج هذه القصة ضمن مشروع شباب في صنع القرار الذي ينفذه ملتقى الطلبة بالشراكة مع المساعدات الشعبية النرويجية.
